جديد المقالات





 من قلم : روعة سالم
فى وصل التماس  التربوي ، لا بد  من حد منطقي  يهذب اطار العلاقة  الاخلاقية  لتكافؤ التنافس ، وفي عملية التنافس لا بد من الصدر المملوء بالشرف والفضيلة  حتى تكتمل فى باطن  الفكرة  اصل الغاية من الهدف فى التنافس ، ففي  الانتصار لذة غريبة تحرك ارتعاش المفاصل فى المنتصر ، والفوز دائما ما يأتي نتيجة لتضافر الكثير من العوامل منها الجانب المعنوي وهو الاهم  في قيثارة  العزف المتناغم  لأصل الفكرة من الانتصار ، فعلى مدار تناهض التاريخ وتسابقه على مسار الفناء كتسابق  العدائين فى رياضة ( المارثون )  بغرض الوصول الى خط النهاية ، فأن سرعة جريان اعتمال الطاقة في جسم  التاريخ كانت من القوة والمهابة ما اسقط  الكثير من  الجزيئات الحرارية المهمة التي كانت كفيلة  بجعله يحقق اعلي قيم الانتصار  في  مشهد وجيز يسفر عن حلاوة الوصول السعيد  لخط النهاية المرجوة  ، وعلى ذات النسق  التاريخي المستعجل فأن الكثير من الاخطاء البشرية  كلفة  البعض من الذين يطمحون بطرا بالتغريد خارج سرب الانسانية  ، بأن يكونوا عظة ومثار للتندر من قبل معصرة الايام ، وهذه المعصرة لاتبقي ولا تزر من قليل المصلحة في  ان يذكرهم التاريخ  بالخير للحياة والبشرية ،  ولعل في  هتلر  المثل البليغ  والانموزج الحي لضحية هذه  المعصرة ، فالرجل اراد ان يسطر اسمه بمداد من الذهب فى سفر التاريخ ولكن حدة التنافس وضراوة  اللعبة  اجبرته ان  يبصم بأنامله الخمس على صك الانتصار بمداد من الدماء والاشلاء ، مما حرك ثائرة المعصرة لتستنفر مرجل الالة فكان طحين هتلر مجرد صدى لعار يلطخ جبين الانسانية  ويفصح عن فظاعة  الدناءة في شكل الممارسة للتنافس ، فهو يفترض ان يكون كما خطط  لخلود ه قائدا  ينهي ويأمر بجسارة الانتصار  ، الا انه مضي  مذموما مدحورا ، كما تمضي  الظعينة  مجرد لقمة سائغة فى  افواه  الاسود ، وما اشبه الليلة العربية ببارحة  هتلر ، فهناك كان طموح القيادة يشكل مقصلة النهاية ، وهنا  تتحازي مناكب الحكاية ، فالطموح  اروع واجسر من مجرد طموح بل هو وهم  يتعدي مسافة الخيال العقلاني   من ضرورة الحلم ..  فالاوباش  دائما ما يسلكون اسهل الطرق لاعدام انفسهم  فهم رزيلة  تثقل كاهل شكل المشهد بكل تفاصيل الابعاد  الجميلة ، لذلك تراهم  لا يعبئون بأفساد وجهة الخير ويصرون بكل مايحيط الاصرار من تعنت واطي  في محاولة تشويه  وسامة الواقع ، انهم  يكنون كل البر والوفاء  للحكمة  القائلة ، هناك اناس اختصهم الله بعذاب الناس ، انهم  كالسيل العرمرم  يأتون من كل فج عميق ، انهم تماما مثل يأجوج ومأجوج ، اوصافهم  كالقطط السمان ، بقضون على كل شي وبأبسط شي ، سلاحهم الوحيد قوة الخطابة ورجاحة التمثيل فى اقناع الضحايا ، انهم ليس مجرد نكرة وحسب ، هم  الطوفان الذي دمر البنية التحتية لعدد لا يستهان به  من الدول العربية ، انهم مثل حشرة الدبور يثيرون الطنين بأصوات مزعجة ويصعب على  امهر الشراك ان تصطاد واحد منهم ، لا عن وهن في  عصب الشرك ولكن عن تمرس من جانب الحشرة  في  ايجادت فهلولة الزوغان بالشكل المقنع الذي حتما  سيقودها  يوما ما ، طواعية لتحرق نفسها بنفسها كالفراش الذي تدعوه السنة النيران ليحتفل معها فى الليالي الظلماء فتأخذه نشوة  التفاعل فيقذف بنفسه في اتون الجحيم  فيحترق ويتلظي  حتي يصير بقايا من رماد .. فجبهة النصرة فى سوريا مثلا  ما فتئت تجسد ابعاد المهزلة وتأبى صراحة الا وان تضحك على الله قبل الضحك على دقون خلقه والحدود الاسرائلية على مرمي حجر منها ، فالافكار والمبادي عندما تؤخذ من فاقد الشي ، فأن خريجي الدعوة الي الله سيكنون مجرد دعاة يدعون الى الاسراف  فى التعجيل بقتل خلق الله ، فلا مراعاة من جانبهم  في النظر للحكمة الألهية من خلق كل شي بقدر ، فالدين فضاء عريض يستوعب خواء كل العصاء التائبين الي الله  ولكن بكل حال لا يحفز هولا النادمين على التكفير عن اخطائهم بأخطاء اشد اثم من حقيقة ارتدادهم عن جادة الطريق ، فمن قتل نفسا مؤمنة فكأنما قتل الناس جميعا ،  وكل من قال لا اله الا الله  وشهد ان محمدا رسول الله ، فهو بكل اشكال القياس مؤمن واجره على الله ، اما مرتبة كونه عاص عن اقامة الفرائض فهذه جدلية  مردها الي الله وهو الاكثر رأفة بخلقه من رأفة الام على جنينها ، فلا يجوز استحلال دم من قال لا اله الا الله الا بحق الله ... ان  الاطار النظري لفكرة الحاكمية لله  لهو اطار ارقي من محاولة مناقشته على  عجالة الاوراق  فكل المجتمع المسلم على كافة  المشارب السياسية  يتفق على الحد الاعلي من التطبيق في ذلك ، فالعلمانيون العرب على الرغم  من صدي المصطلح  وفخامة التعبير الذي يكن صراحة عن الكفر ، الا انه يبقي فى نهاية المطاف مجرد مصطلح يخدم الاغراض السياسية ولا يضر بحقيقة الايمان بالله الموغل  فى صدور هولا العلمانيون .. لذلك  من العار ان تتضخم  جبهة النصرة وتسترزق من الشباب حتى تنضح حد الطخمة من العضوية  ثم تنهال بيد من حديد على كل مسلم فى سوريا بحجة تغير الحكم  ، فبئس الكيل بمكيالين ، وبئس التنافس الغير شريف والقائم عن الجهل بالجهاد لا عن العلم به ... فشاهت الوجوه .













موقفنا من ثورات الأطلسي ومن نظام الدكتور الأسد والعقيد الليبي الراحل
من خلال تتبعنا كجزائريين للمجتمع العربي بصفة عامة والخليجي بصفة خاصة وجدنا أن السواد الأعظم من هذه الشعوب لاتفهم العقلية الجزائرية وكيف يفكر الشعب الجزائري، فتراهم يعاتبوننا مرة ويصفوننا مرة بالخونة وعملاء النظام نقبض منه، وبما أننا لانعير هذه التعليقات المثيرة للشفقة إهتماما إلا أنه وجب علينا تبيان الأمور الملتبسة لدى الكثيرين ليتعرفوا بعض الشيء كيف نفكر وكيف نزن الامور، فهناك مثل جزائري يقول "قيس قبل ماتغيص"، يعني بالعربية الفصحى "زن الأمور وقس كلامك قبل أن تضيع" وهي القاعدة التي يمشي عليها الجزائريون كافة خاصة فيما يخص التعاملات اليومية بينهم لأن لكل فرد منا فائض في الشحنات الكهربائية لذا فالأمور معرضة للإنفجار في كل لحظة. هل تنقص الجزائريين ثورة؟
وهل يحتاجون لمعلم ؟ لو سألت أحد المصريين أو التونسيين أو اليمنيين أو أحد ثوار الأطلسي في بنغازي أو يهود مصراتة عن الثورة لقالوا لك هي في إمارة قطر أو في مضارب آل سعود، ولو سألت أحد الغزاويين عن الثورة لقالوا لك عليك بحمد بن خليفة، لكن إن سألت العالم أجمع عن الثورة فإنهم حتما سيجيبونك أن مهد الثورة في أمريكا اللاتينية وسيقرؤون عليك بعضا من تاريخ الثائر والمناضل اللاتيني سايمون بوليفار، وإن أردت معرفة المزيد أخبروك بأن هناك أرض يقال لها كوبا هي مهد الثورات التحررية الحديثة وأن قديسا من الأرجنتين يقال له الرفيق تشي هو ملهم الثوار، وأن الرفيق فيديل هو الأب الروحي للثورة الكوبية، لكن إن سألتهم عن قبلة الثورة ومكة الثوار فالأنظار تتجه نحو الجزائر ويطربونك بهذا البيت المزلزل "قل الجزائر واصغ إن ذكر إسمها...
تجد الجبابرة ساجدين وركعا" والجبابرة هم الإمبراطورية الفرنسية وحلف الاطلسي الذين ركعوا للجزائر. تأسست المملكة الوهابية رسميا سنة 1932 في الجزيرة العربية فوق جماجم المسلمين وبحد السيف، حيث كانت جيوش سعود تنشر الخراب كالجراد وتفتك بقبائل العرب حيث كان محمد بن عبد الوهاب يمثل دور القسيس والكاهن الأعظم يحرض على القتل وسفك الدماء والتمثيل بالجثث وسبي النساء وبقر البطون كما يفعل قساوسة القرون الوسطى وكما يفعل أحفادهم اليوم في سوريا حيث يتم تدريب الأطفال على قطع الرؤوس، وتأسست إمارة قطر وهي لاتعتبر دولة بالمفهوم السياسي سنة 1971 أي أن عمر كل من مملكة الوهابيين وإمارة الضباع القطرائيليين بئر بترول كما قال الشهيد الراحل صدام حسين.
وإذا رجعنا للتاريخ وقارنا عمر هذان الكيانان فإن عمرهما أقل بكثير من عمر أول ثورة قام بها الجزائريون في العصر الحديث، فقبل أن يتم تأسيس الكيان الوهابي على يد الشيخ عبد الله فلبي، أو يتم تأسيس الكيان القطري على يد جلالة الملكة البريطانية بكثير كانت هناك ثورات وليس ثورة، بدءا من ثورة الجزائريين سنة 1830 وهو تاريخ إحتلال الجزائر العاصمة من قبل الإحتلال الفرنسي ومنذ ذلك التاريخ والثورات تتوالى وتخمد ثم تثور إلى أعظم ثورة قام بها الجزائريون في الثمن ماي 1945 والذي قتل بسببها أكثر من 45000 جزائري في كل من قالمة وسطيف وخراطة، ثم مظاهرات 11 ديسمبر 1960، لكن إن رجعنا للوراء فإننا نجد أن أجدادنا الامازيغ الأبطال العظام قد ثاروا ضد الإحتلال الروماني أي حينما كانت المنطقة من شبه الجزيرة العربية إلى الكويت حاليا صحاري قاحلة يرعى فيها البدو الغنم والإبل، ولو رجعنا لتاريخ الثورة الجزائرية لوجدنا ان الجزائريين هم آباء الثورة ومنظروها، هذه الثورة التي ألهمت الشعوب في القارة السمراء وأمريكا اللاتينية وآسيا وهي الثورة التي كتب عنها المرخون الكثير وتغنى بها الشعراء وتمنى الإنظمام إليها العظام.
فكما ترون فإننا اول من قام بالثورة، فنحن لم نقم بالثورة لأجل بريطانيا العظمى كما فعل الخليجيون، ولم نقم بالثورة لأجل إمبراطورية اليانكي كما فعل الكثير في أفغانستان، ولكننا قمنا بالثورة لأجل الجزائر والجزائر فقط ولسنا مستعدين للموت من أجل الصهيوني هنري برنارد ليفي، كما اننا لانريد أن نقتل حيث يريدنا الوضيع بندر بن سلطان أن نموت، أو نقتل في سبيل تحقيق إسرائيل الكبرى أو لأجل تافه مثل مرشد الإخوان، نحن فقط قتلنا لأجل فلسطين، فنحن كما الجيش البعثي العراقي قدمنا الأرواح وأخذ الآخرون النيشاين ولاداعي لسرد القصص، فهناك من يقال عنهم بأبطال حرب أكتوبر لكننا ننظر إليهم على أنهم مجرد مقاتلين عاديين ولانرى في بطولاتهم مايثير الإعتزاز لاننا شهدنا تلك المعارك وكان لنا نصيب الأسد فيها بينما كان البعض يتآمر مع الصهاينة ضدنا ولحسن الحض كان لجهاز مخابراتنا العظيم في ذلك الوقت اليد الطولى وإلا لتم بيعنا في تل أبيب من قبل أبطال حرب أكتوبر وغيرهم ولاتزال قصص الخيانة المصرية تروى للاجيال لحد الساعة.
 فكيف تريدوننا أن نتعلم الثورة من كركدن أجرب وآكل للضب وشارب لبول الإبل ونحن آباء الثورة وأيقوناتها في العلم؟ كيف تريدون من جهاز المخابرات الجزائري أن ينسق مع نظيره الأمريكي والصهيوني ضد سوريا والعراق ولبنان وهو الذي كان يشن الحروب السرية المدمرة ضد أمريكا والكيان الصهيوني وفرنسا في أدغال إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا واوروبا بينما كانت مخابرات ممالك الإرهاب وآكلوا الضب يمولون عمليات المخابرات المركزية السرية ويحاربون المد التحرري اليساري؟ كيف تريدون منا أن نتآمر على سوريا وهي من أرسل لنا خيرة الأساتذة لتعليمنا وتقيفنا؟ كيف تريدون منا أن نتآمر معكم على سوريا وليبيا والعراق وهي دول كانت لنا سندا في حرب التحرير وفي أروقة الامم المتحدة؟ كيف تريدوننا أن ننزع فرو الأسد ونلبس جلد الحمار؟ كيف يعقل أن نتحول من أيقونات للثورة وقبلة للثوار إلى رموز الخيانة والغدر ووكرا للخداع ضد من أكرمنا في يوم كنا في أشد الحاجة إلى رغيف الخبز؟
 نحن قوم ينطبق علينا المثل "إن أكرمت الكريم ملكته"، فكيف تريدوننا أن نتحول إلى قوم لئام مثلكم؟ كيف تريدوننا أن نتصف بالغدر والخداع والمكر مثلكم؟ كيف يعقل أن نقطع اليد التي أمدتنا برغيف الخبز وأرسلت لنا تمور العراق وذهب سوريا وأموال ليبيا أيها الأنذال؟ لو كان في ثوراتكم خير لباركتها فنزويلا وكوبا وروسيا والفتنام وجمهورية الصين الشعبية والجزائر، أليست هذه الدول هي معهد الثورات أم أصبحت قطر والرياض هي مهد الثورة؟ هاتوا برهانكم وأين حضاراتكم وتاريخكم النظالي وبطولاتكم؟
 أما موقفنا من نظام الدكتور بشار الأسد فنقول: لم نكن يوما من أنصار الرئيس حافظ الأسد، وبصفتنا من أنصار البعث العراقي وليس السوري فإننا لم نكن نحمل الضغينة حتى بعد أن شاركت قوات سوريا في الحرب على العراق، وكم كان عتابنا كبيرا على سوريا يومها إلا أن بوصلتنا كانت دائما تجاه الكيان الصهيوني وإمبراطورية اليانكي، لذا كنا نناصر صدام حسين العظيم ضد جورج بوش وأذنابه، حتى من يقال عنهم سلفيين ورجعيين كانوا قلبا وقالبا مع العراق ضد محور الشر، بل إن حتى علي بلحاج لبس البزة العسكرية وأعلن تظامنه مع العراق وهناك من قال انه زار العراق حيث شكلت كانت تلك الوقفة صدمة بالنسبة للكيان السعودي، فكما ترون فإن عقلية الجزائري لايمكن لعقول الكثير من العرب فهمها، بل حتى أن دراسات صهيونية لم تجد للجزائريين تفسيرا لتصرفاتهم، ألم يقل كسنجر "درسنا كافة الاحتمالات لزعزعة استقرار الجزائر لكن الرأي العام هناك أدهشنا مرّة يبدو أنه ممتعض من سياسة النظام ومرة تجده يلتف حوله بشدّة وهذا ما صعّب الامر لأصدقائنا في التعامل مع الجزائر لكنها مسألة وقت فقط ونحن بصدد دراسة الثغرات الممكن النفاذ منها" ؟
 نكرر ونقول أننا لسنا بعثيين سوريين ولا من قوات الشعب المسلح في ليبيا، ولكننا نتعامل مع الأزمات وفق ماتمليه متطلبات المرحلة ووفق قاعدة المصالح والمفاسد التي يتكلم عنها الرجعيون التكفيريون ولايطبقونها ولايفهمونها، فإن لم نكن من أنصار البعث السوري فلن نكون خصومه، وإن كنا خصومه كأنصار للبعث العراقي الصدامي فلن نكون أعدائه، ولكن هذا لايعني أننا لا ندعم نظام الرئيس بشار الأسد، بل على العكس فنحن معه ظالما أو مظلوما لأنه إن كان ظالما فليس المسلم معصوما عن الظلم، وإن اخطأ فليس فهو بشر، وإن أجرم فإجرامه لايقارن بإجرام وخيانة ملوك وامراء الخليج لكننا لانشهد له بالجرم إطلاقا ونحن - وهو رأي السواد الأعظم من الجزائريين – ننتظر إشارة الرئيس الأسد وفتح باب التطوع للذهاب بالآلاف كما ذهبنا للعراق لقتال قطعان المرتزقة وأذيال الامريكان ونحن نتمنى ذلك كثيرا وهي رغبة الكثيرين، فنحن لم ننسى تلك الفتاوى الإرهابية لكلاب الوهابية والتي أسالت دماء الجزائريين ولن ننسى. في الأخير نختصر القول ونقول نحن لن نبارك ثورة خططت لها أمريكا وموللها أمراء السحت وينفذها قطعان الوهابية ويستفيد منها الكيان الصهيوني، فتبا لثورات هنري برنارد ليفي وأردوغان والاجرب حمد.
 لاتسألونا مرة أخرى عن الثورة، وإذا أردتم فهم عقلية الجزائريين فاستمعوا إلى أحاديثهم واكتشفوها في الاغاني الحماسية الرياضية وفي صيحاتهم في الملاعب وتعاملاتهم في الشارع والمدرسة وفي أوروبا أكتشفوا عقلية الجزائريين على الفسبوك، إكتشفوها في المحاضرات والندوات على فلسطين، إكتشفوها في حملات التبرع لفلسطين وليس للجيش الكر وعصابات بندر.
 تحياتي



انشقاق في عقل أحمد زويل في بحر الظلمات .. بين الدببة القطبية

سأتقدم اليوم نحو خط آخر من خطوط المواجهة مع الثورات العربية .. وسأجتاز خط الحدود غير عابئ ولاآبه بالطلقات التحذيرية ولا مكترث بصوت القصف واختراق الطائرات لحاجز الصوت فوق رأسي ..وسأعبس في وجه من يذكرني بغضب الآلهة وبحقول الألغام التي سأضيع فيها وتنثرني أشلاء .. ولكني سأتقدم .. ليس لأنني ضد أية ثورة ولكن لأنني أنا هو الثائر وليس في هذه الثورات العربية الواسعة الا القليل القليل من الثورة والكثير الكثير من الأوهام .. قلب الثائر مقطوف من قلب الله مباشرة كي لايخاف .. و الفارق بين الثائر والمتثائر هو كالفارق بين النحلة والدبور .. الأولى لاتخطئ الزهر ولا تحط الا على الورد .. والثاني لايقف على أية وردة ولايعرف طعم الرحيق بل طعم النفايات والجيف ..
للثائر عينان كنجمتين مضيئتين ..وتعرفان حدود الوهم بين خيطان العناكب وأسلاك الحرير .. وللثائر بوصلة يتبعها القطب ولاتتبعه ..
سنجتاز الحدود اذا في هذه المهمة الشاقة خلف خطوط الثورة .. ونزيح الأصنام الثورية عن طريقنا وندفع الأوثان العقلية عن دروبنا .. حتى ولو عاب علينا بعض الناس أننا نتوجه بالنقد الى كل من يقف مع التمرد السوري ..وحتى ان وجهوا اتهامهم لنا بأننا صرنا نشبه جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة حيث لانقبل الخلاف مع أحد ونفتي باهدار دم الكتابات والآراء وباختطاف أجساد المقالات التي لاتوالينا لتمزيقها بسكاكيننا ونحن نكبّر تكبيرا كبيرا..
ولكن موقفنا الذي يقارع أنصار الثورة بـ "التفكير" لايعني أننا نمارس "التكفير" لمن يخالفنا في الرأي السياسي أو لمن يعتقد بيقين أنه يقف على الشاطئ الصحيح لجزيرة الكنز "الثوري"، ويعتقد أننا لانزال نقاتل مؤشر البوصلة كي نرغمه على أن يشير الى حيث نريد لا الى حيث البوصلة تريد ..
ولكن ماذا أفعل ببوصلة لاترشد سفننا الى القطب الشمالي للعقل ولايهتز مؤشرها متوترا بل يبقى ملتصقا باتجاه قطب "الثروة" .. وتريد هذه البوصلة أن تقنعني أن القطب الشمالي لثورة العقل العربي والحرية العربية هو في الدوحة أو الرياض بدليل وجود الدببة القطبية البيضاء في الخليج .. والثعالب البيضاء .. وبعض عجول البحر والفقمات السوداء المجللة بالسواد .. و.. النعاج البيضاء .. فلاتكفي رؤية الدببة البيضاء وكلاب الثلج التي تجر الزلاجات لأصدق أنني وصلت الى القطب الشمالي .. فقلبي أصدق أنباء من الدببة القطبية البيضاء وعجول بحر العرب .. وقلبي يقول انني لاأزال في الصحراء حيث رغاء النوق وحمحمة البغال .. وبوصلة عقلي تشير الى البعيد في الأفق البعيد .. وتنبئني بيقين بأنني في حديقة حيوان قطبية في قلب الصحراء العربية..
عقلي هو بوصلتي وكلما أشارت بوصلة واسطرلابات الاعلام العربي -وماأكثرها- لتدل سفينتي لتسير في موج الثورة .. كان عقلي الثائر يبرق ويرعد ويتحول قلبي الثائر الى مؤشر لبوصلة عقلي .. ويشير الى الاتجاه المعاكس .. وهو بالطبع ليس برنامج فيصل القاسم الذي في علم الملاحة البحرية ليس الا سفينة للقراصنة وأعلام القراصنة .. حيث العيون العوراء المغطاة بقطعة قماش سوداء وحيث لاأصابع .. بل خطافات معدنية .. ومبارزات الدم بين القراصنة وضحاياهم من المشاهدين العرب .. فمن كل سفينة "فضائية" عربية كان القراصنة يهبطون عبر لواقط الفضائيات العالية كصواري المراكب والسفن ويغيرون على بيوت الناس ويستولون على عقولهم الطيبة وكنوز الفطرة والوعي .. ويقتلون سلام الناس بسيوفهم .. ويلقون الشبان والأطفال في البحر .. بحر الظلمات الهائج ..ظلمات الحرب الأهلية .. وظلمات الحرب الدينية..

********

أن أكبر مشكلة تواجه المجتمع العربي ليس في غياب البوصلة بل في ترويج نوع مبرمج من البوصلات البشرية .. واعتمادها للعامة لأخذهم الى حيث الدببة القطبية وعجول البحر في الصحراء وثلوج النفط السوداء .. ولذلك كان اعتماد الاعلام الثوري في البداية على بوصلة مزيفة سماها "المفكر العربي عزمي بشارة" أخذت الناس في رحلة ضياع رهيبة .. ولم يتوقف ضخ أسماء علمية وشخصيات لها مراكز مرموقة وأكاديمية لاستعمالها كالبوصلات لدفع جماهير الربيع نحو رحلات الضياع ولارغام سفن الشرق على الرسو على شاطئ غريب بلا عنوان ..
وكنا كلما اعترضنا على آراء هذه الشخصيات ذات المكانة المرموقة ارتفع صوت الثورجيين مستنكرا ومحتجا على عدم احترام النخب وبوصلات النخب .. فاذا كنا نشكك بقدرة النخب والجماهير فلأننا برأي الثورجيين كنا اما في حالة انكار أو أننا أذناب أنظمة وأيتام عهود ..لأن عورة الثورة مغطاة بوجوه محترمة وانتقادها قد يعني السقوط الأخلاقي ..

ومشكلة العقل العربي أنه يستسلم للصورة النمطية بمعناها النفسي وليس للفكرة بمعناها الحقيقي .. وهو لذلك عقل يميل بسهولة الى المظاهر والاستعراضية للأسف ويخشى محاكمة الفكرة خاصة اذا منحت لقبا مبجلا وصورة مقدسة .. ولذلك تتركز عملية اجتياز بوابات العقل العربي المفتوحة على مصاريعها على اخضاعه لسطوة الصورة النمطية وقدسيتها دون أن يجرؤ على مساءلتها .. أي كل مايلمع ذهب .. فهل يخطئ أحمد زويل مثلا وهو في الصورة العالم وصاحب جائزة نوبل؟؟ وهل بعد جائزة نوبل بعد آخر للعقل البشري؟؟

لاشك أن شخصية مثل شخصية أحمد زويل تستحق الاحترام الفائق والانحناء لانجازه العلمي ولكن لايجب تقديسها .. ولايجب التعاطي معها على أنها لاتخطئ وأنها فوق البشر .. وأن مايصدر عنها لايأتيه الباطل كما البوصلة .. فأحمد زويل هو انسان متفوق في مجال عمله ولكن هذا لايعني أنه متفوق قي كل المجالات .. وأنه يصيب دوما ويرى أكثر منا بحجة أن بوصلته لاتخطئ ..

ومن يقرأ ماكتب منذ أيام في جريدة "الاتحاد" يدرك أن الرجل عالم في الكيمياء والفيزياء لكنه بسيط في قراءته الحياتية للواقع .. بل ان له عقلين .. عقلا فيزيائيا علميا براقا .. السطوة فيه للمنطق والتجربة والتحليل التجريبي .. وعقلا آخر اجتماعيا فقير التجربة والتحليل وبائسا في استنتاجاته لدرجة مثيرة للرثاء ..ولكن الملفت للنظر هو هذا الافتراق الهائل بين العقلين في طريقة تعاطيه للأمور وعدم تناغمهما وكأنهما في حالة نزاع .. فالعقل العلمي لدى زويل الذي أنتج بحوثه صارم لايقبل التسليم بأية مقولة من غير برهان قاطع أو تجربة حاسمة .. ولايقبل النقل والقيل والقال دون مرجع .. فيما العقل الاجتماعي لديه مستسلم لقضاء الله وقضاء الاعلام والقيل والقال ويبدو فقر الحال فيه جليا وعلى باب الله .. ولاسطوة فيه الا سطوة العاطفة .. والغريب أن العقلين يعملان بشكل منفصل ولايبدو أن للعقل العلمي الصارم حظوة لدى العقل الآخر أو أنه قادر على ضبط ايقاعه وانفعالاته .. ولايبدو أن هناك انسجاما أو تنسيقا بين العقلين .. ولذلك نجح زويل في العمل العلمي لأن المناخ العلمي في الغرب يفرض عليه أن يترك عقله الاجتماعي في رعاية زوجته (السورية) في البيت قبل وصوله الى مخبر التجربة .. ولكنه خارج المناخ العلمي يسيطر عليه عقله الاجتماعي بعيوبه العربية .. ويسيطر حتى على عقله العلمي ويخضعه لأوامره..

ولأنني عملت في مجال البحوث الفرنسية فانني أعرف أن كل كلمة تكتب في ورقة البحث يجب اسنادها بدليل ومرجع راسخ مثبت وقاطع .. حتى أن كتابة نصف صفحة في بحث أو مراجعة علمية يتلوها كتابة صفحة كاملة أحيانا بأسماء المراجع والمؤلفين والكتب والمؤلفات وأرقام الصفحات وتواريخ نشرها التي يتم استقاء كل كلمة منها ..كل كلمة في الورقة البحثية عليها رقم المرجع الذي استندت عليه وتبدو الورقة مرصعة بعشرات الأرقام والنجوم ذات الدلالات المرجعية .. وغير ذلك لايقبل البحث الا في سلة المهملات والازدراء العلمي..ولذلك تكون عملية نيل الدكتوراه هي مرحلة تحضير وصقل العقل لتدريبه على النهج العلمي الصارم والدقة المتناهية في تناول الأشياء وليس لكتابة الأطروحات والمطولات التي يستطيع عملها كل انسان ..

وماكتب أحمد زويل في جريدة الاتحاد بعنوان (سورية .. خطر الابادة الجماعية) .. يدل على ماأقول .. فكلامه كان هوائيا للغاية وليس فيه أي دليل أو سند علمي أو توثيقي وكان عقله البدائي العاطفي المشحون وليس العلمي هو الذي يكتب .. وهو من الناحية العلمية مقال مفكك رديء جدا واستند على كل شيء الا الدليل العلمي والوثيقة والمرجعية الصلبة وهو مقال لايليق باسم أكاديمي رفيع ولا مكان له الا المقاهي الشعبية .. ولو نشر من دون اسم أحمد زويل لما فرقناه عن كتابة أي صحفي مبتدئ أو هاو من هواة التنسيقيات السورية .. لكن اسم زويل يمنحه ماركة تجارية في حديقة الحيوان القطبية ..
ويصطدم القارئ في السطور الاولى للمقال بحاجز عسكري يشبه حواجز المسلحين السوريين في فوضويته وهو جملة (نظام بشار الأسد وحشي لأنه يخوض حرباً مع شعبه، يقصفه فيها من البحر، ومن الجو، ويقتل السوريين الآمنين في منازلهم..وحسب المرصد السوري لحقوق الانسان...الخ).. لأنه أولا لادليل على وجود معركة بحرية حتى الآن ولاعن وجود قصف بحري على أي هدف لأن معظم المعارك في سورية داخلية وليس في منطقة الساحل الا مناوشات محدودة في بعض الجبال لم تضطر الدولة فيها لاستعمال سلاح البحرية..ومع هذا يقرر العالم زويل أن هناك قصفا بحريا لايرحم "على الشعب" .. أما مسلحو القاعدة والجيش الحر بعشرات الآلاف في شوارع سورية فهم لايقصفون الشعب السوري ولايقتلونه بل يدرسون نظرية أحمد زويل في الفيمتو ثانية وكيمياء الفيمتو التطبيقية .. !!! و المخجل هو أن يستند العالم الفيزيائي زويل على مرجعية المرصد السوري لصاحبه رامي عبد الرحمن .. والأخير صار معروفا للقاصي والداني على أنه شخص مشبوه جدا حتى بنظر المصادر الغربية .. وليس معه مؤهل علمي واحد أو حقوقي وهو شبه أمي وتحوم حوله وحول تقاريره أسئلة كبيرة .. ومع هذا صار رامي عبد الرحمن مرجعية لعالم الفيزياء العالمي وصاحب نوبل ونظرية الفيمتو دون أن يسأل عن صدقية مرجعيته..

وفي عبارة أخرى يقول زويل بالحرف (..ثم إن كل شيء قام به الأسد حتى الآن يشير إلى أنه سيفعل كل ما يتطلبه الأمر من أجل البقاء في السلطة، بما في ذلك استعمال الأسلحة الكيماوية في النهاية. فنظامه ليس مختلفاً عن نظام والده حافظ الأسد، الذي سمم وسوى مدينة حماه بالأرض ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف) .. هل هذا الكلام يكتبه رجل عالم وعاقل ويستعمل المنهج العقلي أم منهج مقهى "أبو علاء" في القاهرة اذا لم يكن مقهى "أروما" في تل أبيب الذي يفضله حمد بن جاسم على غيره من مقاهي تل أبيب في زياراته السرية .. أليس هذا العقل النوبلي قادرا على تذكر أن نفس العبارة قيلت عن صدام حسين لتبرير غزو العراق وابادة 5 % من سكانه في أشهر قليلة (أي مايعادل 5 ملايين مصري في مصر).. وبأن نفس الكلام المعلّب ردده البلهاء في كل العالم عن صدام حسين وكأنهم كانوا يأكلونه في سندويتشات الماكدونالد التي كان يأكلها أحمد زويل .. في حين نسي العالم كله ونسي زويل أن أول من استعمل السلاح الكيماوي في العراق هو ونستون تشرشل نفسه ضد ثورة العشرين الشهيرة .. وأن أول من استعمل السلاح الذري ضد مدن بريئة هي حضارة الغرب الذي منح زويل لقبا وجائزة ولسانا يدافع فيه عن الناس ضد أسلحة الدمار الشامل الكيماوية ..
من المعيب على شخص مثل زويل أن يكتب كلاما مستعملا ويستحم بماء مستعمل .. ويلبس ثيابا مستعملة .. وينظف أسنانه بفرشاة أسنان يوسف القرضاوي .. ويتناول حساءه المعرفي بنفس ملعقة حمد بن جاسم.. ويشرب الشاي من نفس الكأس الذي يشرب فيه العرب بول البعير .. وينهمك معهم في رضاعة أثداء الجزيرة .. التي ترضع الكبار فقط ..

ألا يستطيع هذا العقل النوبلي -الذي يجتهد في الفيزياء ويتكاسل في البحث عن حقيقة الدم - أن يغامر في البحث منطقيا ؟؟ .. ألا يفكر مثلا أن يأتي الى سورية ليوم واحد ليرى كيف سيوقفه "الثوار" في حلب على حاجز هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ويمنعون زوجته السورية من قيادة السيارة .. هذا ان لم يصادرها له المقاتلون ليهدوها كالجارية الى أمير جماعة سلفية كما حدث مع أحد المفجوعين الذين التقيتهم وقد أخذ المؤمنون زوجته أمام عينيه على أحد الحواجز لأنها أعجبت الأمير فقرروا اهداءها له كمجاهدة رغما عنها لأنها صارت مما ملكت الأيمان..

ألا يأتي هذا العالم النوبلي يوما واحدا الى شوارع دوما ليلتقي واحدة من السيدات الدومانيات اللواتي التقيتهن لتحدثه برعب كيف أنها لم تعرف سبب تقاتل الكلاب الضالة بضراوة في حارتها ليلا لتكتشف لاحقا أن الكلاب دخلت الى مسلخ الحارة الذي كان الثوار يحاكمون أعداءهم فيه ويقتلونهم ذبحا .. ورأت الكلاب تعود بأذرع وأرجل الضحايا وتتقاتل فيما بينها في الطريق وهي تتجاذب أطراف البشر .. عشرات الجثث التي تبعثرت وجرتها الكلاب الضالة .. فيما رابح جائزة نوبل لايرى الا ماتراه الثورة (أو زوجته) من براءة وطهورية الثوار..
وبعد تخبطات رومانسية وحالات اغماء عاطفي انتابت أحمد زويل في مقالته .. توقف العقل الاجتماعي العاطفي لزويل ليترك المجال فجأة للعقل الأكاديمي الذي لم يحرك مقعده عن الكرسي طيلة المقالة ليستنتج بسرعة النتيجة الذهبية وهي(يجب على القوى الكبرى أن تدعم الجيش السوري الحر في الميدان وتفرض منطقة حظر طيران، وهو ما سيعيق قدرة النظام عديم الرحمة على قصف الأبرياء من الرجال والنساء) ..

لاأدري ماذا يقال بعد هذا الاقتراح الذي سأسمح لنفسي بأريحية وثقة وصفه بالاقتراح الساذج وضحل الفكر وضيق الأفق ..يعني كلف الرجل نفسه وحمل لنا "بطيخة" تركية ..مضغها أردوغان بأسنانه حتى لم يبق فيها الا القشور ..أو بعد كل هذا العقل الأكاديمي لاتعمل بطاريات العقل الأكاديمي الا في آخر لحظة بعد أن نامت وشخرت كل الطريق في المقالة النوبلية..
ان مقالة بمقدمات مفككة ومهترئة ومقتطفات مهربة من دكان رامي عبد الرحمن ومقالات مغشوشة منتشرة على كل الأرصفة .. لن تصل الا الى نتائج تنتهي في سلة المهملات .. وسلة الازدراء .. حتى لو كان عليها خاتم نوبل .. أو خاتم سليمان .. أو خاتم لقمان..
ولكن السؤال الذي يحيرني هو ماالذي يدعو شخصا وصل الى ذروة علمية لأن يتوق للانخراط في العمل السياسي؟؟ .. أحمد زويل ومنذ بداية الربيع العربي وهو يقدم نفسه سياسيا .. وصار كل طموحه مقعد سياسي ورئاسة .. وهذه ظاهرة لم أرها في الغرب ..في الغرب لايزال الموقع العلمي مقدسا وله هيبته التي لاتسمح للسياسة بالاقتراب من مجالها الحيوي ومياهها الاقليمية ويفضل النأي عن الرأي العلني مهما كانت آراؤه الحقيقية .. بل ان عالما مثل ألبرت أينشتاين عرض عليه كيهودي أن يكون أول رئيس لدولة اسرائيل فاعتذر متذرعا بأعذار كثيرة ..وترك لاسرائيل الحق في الاحتفاظ بدماغه بعد موته وهو محفوظ في أحد مؤسساتها البحثية حتى الآن .. لكن في عالمنا العربي هناك عقدة من المنصب والعمل السياسي .. وكل الناس يتمنون أن تتحول انجازاتهم الفكرية للاستثمار في العمل السياسي والمناصب (وأستثني الدمشقي الكبير نزار قباني الذي ترك السياسة والعمل الديبلوماسي لينجز عبقرية فكرية) .. فقد طرح زويل نفسه مرشحا رئاسيا .. وزج أنفه في النزاعات العربية رغم أن منصب ورمزية أحمد زويل يجب أن تكون محايدة في السياسات والنزاعات .. وشخص مثله يجب أن يكون رسول حوار ومصالحة على أبعد تقدير اذا أراد ممارسة العمل العام .. أما أن يتحول الى طرف أعور في مشكلة فهذه أزمة من أزمات العقل العربي التي لايمكن تجاهلها .. عقل يجب أن نعترف أنه يعاني عقدة الزعامة والرئاسة والمشيخة ..
فهل المثقف العربي مأزوم وهل النخب لاتحس بالتفوق الا في السياسة؟؟ فحتى المتنبي شاعر العرب الأكبر الذي وفي حياته ملأ الدنيا وشغل الناس .. كان أقصى طموحاته هو وزارة عند أحد الولاة حتى لو كانت عند كافور الاخشيدي في مصر .. وقد جد السعي للوزارة عبر البلدان وسافر الى كل الولاة في كل الأمصار ولم ينلها رغم أنه تربع على أكبر عروش العرب وأهمها على الاطلاق .. هو عرش الشعر والثقافة الذي لايزال شاغرا من بعده .. ينتظر مليكا عظيما آخر كالمتنبي الذي لم يدرك أنه ملك وكان يلهث خلف وزارة ..

وحتى ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وكاتب المقدمة الشهيرة كان يتنقل لاهثا بين المناصب من دمشق الى مصر الى المغرب حتى كرهه الناس ولاكته الألسن ونبذه المغاربة .. عقله كان ظامئا للمناصب رغم أنه ملك على عرش علم المجتمع..
ان استدراج زويل الى السياسة مهين له وللعلم ومهين للمجتمع العربي .. وقد عمل مروجو الثورات وأصحاب المعامل الثورية على توريطه وتوريط أمثاله واستمالة أسماء لامعة في حياتنا ليبدو الاعتراض عليها وعلى مواقفها يشبه التورط في جريمة أو عمل فاحش أو كفر أو حتى انتحارا أخلاقيا أو غباء مطبقا .. ولاأزال لاأنسى نظرة أحد الثورجيين بما فيها من استهجان وغضب واستخفاف لأنني انتقدت محمد فارس عندما قلت له:
مهما قلنا فان محمد فارس رائد فضاء اعتزت به سورية والعرب .. ولكن الثورة حطمته رمزيا وحولته للأسف الى مثل أي سائق سرفيس .. لأن المنظر الذي رأيته فيه مهين للغاية وهو بجانب "أبو ابراهيم" ثم وهو يجلس أمام شاب هاو مضحك الهيئة من اعلاميي تنسيقيات الثورة ليسأله ببلاهة في لقاء مطول عن أسباب "هروبه" الى تركيا .. وليسأله عن تفاصيل كشفت لكل من راقب اللقاء أن السبب السيكولوجي لفرار محمد فارس هو أنه لديه اعتقادا راسخا أنه فوق الناس وفوق سلطة الجيش وتراتب القيادات وأنه لايجب انتقاده وان الدولة لم تعامله على هذا الاساس ولم ترض شعوره بالاستعلاء والصلف .. فقرر الانتماء للثورة بحجة الميل لحق الشعب في الحرية .. بل ومايسبب الأسف والأسى والصدمة هو أن رائد الفضاء كان يتحدث كما شيخ الجامع في أية حارة شعبية عن الطوائف .. وبنفس البساطة والتصورات .. وعن الجنة والنار .. ثم ومن حيث لايدري تحول وهو يوجه نصائحه الى هواية الافتاء الي يطمح لها .. فأفتى بأن من يقتله الثوار هو في النار !! وأن العسكري الذي يقتل الثوار هو في النار أيضا !!.. ولاسبيل لدخول الجنة الا بالموت مع الثوار أو مع المنشقين !!!!..

رائد فضاء .. وشيخ جامع .. و"مفتي" ..وأقصى طموحاته منصب سياسي في الثورة .. أو وزارة .. وهو بالتالي أول رائد فضاء في العالم يتصرف بهذا الشكل .. علما أن رواد الفضاء الروس (أساتذته) وأثناء انهيار الحكم الشيوعي وربيع غورباتشيوف لم يبادروا الى الانشقاق أو الهروب الى الغرب أو الانحياز الى أي طرف في النزاع السياسي رغم تصريحات لهم بانتقادات عامة .. وظلوا على ولائهم لوطنهم ولم نر أحدا منهم في أميريكا رغم أن ثمنه سيكون هائلا في سوق الانشقاقات آنذاك .. حتى أندريه ساخاروف العالم النووي السوفييتي الذي ساهم في تصميم القنبلة الهيدروجينية والمعروف بمرارة انتقاده للشيوعية .. انتقد الشيوعيين علنا وبقسوة .. ولكنه لم ينشق ولم يهرب الى بلد غربي ..وعندما نال جائزة نوبل للسلام عام 1975 في ذروة قوة الاتحاد السوفييتي لم يستعملها ساخاروف لطعن بلاده .. لكنه استمر في انتقاده المرير للتجربة السوفييتية وسباق التسلح وحرب أفغانستان .. فوضع تحت الاقامة الجبرية سبع سنوات الى أن جاء غوربتشوف وأطلق سراحه .. ومات في بلده التي انتقدها وصارع فيها الاستبداد وليس في الدوحة ولا أنقرة ولاباريس ولا لندن .. ولذلك استحق لقب (بلورة الأخلاق) من الشيوعيين أنفسهم..
فهل عرفتم الآن لماذا تذهب ثوراتنا الى الدببة القطبية وعجول البحر في الخليج ؟؟ وهل عرفتم لماذا تردد كالببغاء أن التحالف مع الشيطان أو اسرائيل مبرر لاسقاط النظام؟وهل عرفتم لماذا لاتوجد لدى ثوراتنا بلورات أخلاق ؟؟ وهل عرفتم لماذا لايطير النحل في ربيع العرب ولماذا سماؤنا مليئة بالدبابير والزنابير؟؟..

لأن كل البوصلات معطلة .. ولأن كل البوصلات تعمل على البنزين والغاز وليس على المغناطيسية .. ولأن أرفع العقول العربية مشطور نصفين .. نصف مربوط بعمامة القرن الأول الهجري ونصف مربوط ببوصلة لورنس وسايكس بيكو وبرنار هنري ليفي .. ولأن الانشقاق الحقيقي هو في عقولنا .. فعقولنا تنشق دوما عن عقولنا ..حتى ان صعد أحدنا الى القمر ودار حول الأرض .. أو كان يكتشف فيمتو الكيمياء أو كيمياء الفيمتو .. بدليل عقل الملا محمد فارس .. أو الدكتور أحمد زويل .. مع الأسف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق